الممر الروسي–الهندي عبر إيران... طريق حرير جديد يهدد قناة السويس

يشهد العالم تحولاً جغرافياً واقتصادياً عميقاً مع بروز “الممر الدولي للنقل بين الشمال والجنوب” المعروف اختصاراً بـ INSTC، وهو مشروع ضخم يربط روسيا بالهند عبر الأراضي الإيرانية، ليشكل ممراً برياً–بحرياً جديداً يختصر المسافة والوقت والتكلفة بشكل جذري مقارنة بالمسار التقليدي عبر قناة السويس. هذا الممر، الذي لطالما كان حلماً استراتيجياً تسعى إليه موسكو وطهران ونيودلهي منذ سنوات، بدأ اليوم يتحول إلى واقع من شأنه أن يعيد رسم خريطة التجارة العالمية ويقلب موازين القوى في النقل الدولي.
يمتد هذا الممر الحيوي على طول يزيد عن 7200 كيلومتر، يبدأ من موانئ روسيا على بحر البلطيق، ويتجه جنوباً عبر بحر قزوين إلى الموانئ الإيرانية مثل بندر عباس وبندر أنزلي، ثم ينتقل براً نحو الموانئ الهندية في مومباي. المميز في هذا الطريق أنه يجمع بين النقل البحري والسككي والبري ضمن شبكة مترابطة، ما يمنح مرونة لوجستية كبيرة ويتيح تنويع خطوط التجارة بعيداً عن الممرات الخاضعة للهيمنة الغربية.
من الناحية الاقتصادية، يُتوقع أن يختصر هذا الممر الوقت اللازم لنقل البضائع بنسبة تصل إلى 50٪، حيث يمكن أن تصل الشحنات من سانت بطرسبرغ إلى مومباي في أقل من 20 يوماً، مقارنة بنحو 40 يوماً عبر قناة السويس. كما أن الكلفة الإجمالية للنقل قد تنخفض بما يقارب 30 إلى 40 بالمئة، وهو ما يشكل فارقاً جذرياً في عالم التجارة الذي تُقاس فيه الأرباح بالدقائق والدولارات.
أما بالمقارنة مع قناة السويس، فإن الممر الجديد يتفوق من حيث السرعة والتنوع الجغرافي والأمان النسبي في ظل التوترات البحرية المتكررة في البحر الأحمر. فبينما تعتمد السفن المارة عبر السويس على مسار طويل يخترق البحر الأبيض المتوسط ثم البحر الأحمر، يوفّر الممر الروسي–الإيراني مساراً أكثر مباشرة وأقصر بكثير يربط أوراسيا بجنوب آسيا من دون المرور بالمياه الخاضعة للمراقبة الدولية المكثفة.
بالنسبة إلى مصر، يشكل هذا التطور تحدياً حقيقياً إذ تعتمد القاهرة بشكل أساسي على إيرادات قناة السويس كمصدر رئيسي للعملة الصعبة. وفي حال توسعت حركة النقل عبر الممر الجديد، قد تنخفض إيرادات القناة تدريجياً، خصوصاً إذا انضمت دول أخرى إلى المبادرة مثل الصين ودول آسيا الوسطى، ما سيخلق بديلاً منافساً يغيّر مركز الثقل في التجارة بين الشرق والغرب.
ورغم أن قناة السويس ستبقى ممرّاً أساسياً للتجارة الأوروبية–الآسيوية، إلا أن INSTC يمثل نموذجاً جديداً للتعاون الإقليمي القائم على تقاطع المصالح بين روسيا الباحثة عن بدائل للموانئ الأوروبية، وإيران الساعية لتكريس موقعها كمركز عبور استراتيجي، والهند التي تتطلع لتقليل اعتمادها على الطرق الخاضعة للنفوذ الغربي.
في المحصلة، يمكن القول إن الممر الروسي–الهندي عبر إيران ليس مجرد مشروع نقل، بل هو خط جيوسياسي جديد يرمز إلى ولادة محور تجاري موازٍ للعالم الغربي. وإذا ما اكتمل وبلغ طاقته القصوى، فقد يصبح الممر أحد أهم الشرايين الاقتصادية في القرن الحادي والعشرين، وربما يكون الشرارة التي تعيد رسم خريطة النفوذ التجاري بعيداً عن قناة السويس وممرات التجارة التقليدية.