خطر غير مرئي: الأشعة فوق البنفسجية تهدد صفاء الدماغ

تُعتبر الأشعة فوق البنفسجية من أهم مكوّنات ضوء الشمس وأكثرها تأثيرًا على صحة الإنسان. ومع أنّها تُعرف بتأثيرها المباشر على الجلد والعينين، إلا أنّ الأبحاث الحديثة كشفت عن أثر خفيّ يمتد إلى الدماغ ووظائفه العصبية. فالدماغ، رغم حمايته داخل الجمجمة، يتأثر بآليات غير مباشرة تنتج عن التعرض المفرط لهذه الأشعة، وهو ما يجعلها أحد العوامل البيئية التي يمكن أن تُحدث خللاً في كيمياء الجهاز العصبي.
يبدأ تأثير الأشعة فوق البنفسجية حين يتعرض الجلد أو العينان لها لفترات طويلة، فتتولد الجذور الحرة في الجسم، وهي جزيئات غير مستقرة تسبب حالة من الإجهاد التأكسدي. هذا الإجهاد ينتقل عبر الدورة الدموية ليؤثر في الخلايا العصبية الحساسة داخل الدماغ، مما يؤدي إلى تراجع في كفاءتها وقدرتها على التواصل. كما يُعتقد أن هذه التغيرات قد تؤدي إلى اضطرابات في الذاكرة والانتباه، وتبدّل في مستويات الهرمونات العصبية المسؤولة عن المزاج والطاقة الذهنية.
وقد أثبتت الدراسات أن التعرض الطويل للأشعة فوق البنفسجية قد يُحدث اضطرابًا في الساعة البيولوجية للجسم التي ينظمها الدماغ، مما يؤدي إلى خللٍ في نمط النوم واليقظة وتقلبات مزاجية ملحوظة. كما يمكن أن تؤثر الأشعة على النواقل العصبية مثل السيروتونين والدوبامين، وهما عنصران أساسيان في تنظيم الحالة النفسية، وهو ما يفسر زيادة احتمالية الإصابة بالاكتئاب الموسمي أو التوتر عند بعض الأفراد.
يحاول الدماغ الدفاع عن نفسه من هذه التأثيرات عبر تنشيط مضادات الأكسدة وتقليل نشاط بعض المستقبلات الحساسة للضوء، إلا أن فعالية هذه الدفاعات تضعف عند التعرض المستمر دون حماية. لذلك ينصح الأطباء بضرورة الاعتدال في التعرض لأشعة الشمس وتجنّبها في أوقات الذروة، إضافةً إلى اعتماد نظام غذائي غني بمضادات الأكسدة مثل فيتامينَي C وE، اللذين يساهمان في حماية الخلايا العصبية من التلف.
إنّ فهم التأثيرات العصبية للأشعة فوق البنفسجية يُبرز أهمية التعامل الواعي مع ضوء الشمس. فكما تمنحنا الطاقة والحيوية، يمكن أن تخلّ بتوازن الدماغ إذا أُسيء التعامل معها. الحماية والاعتدال هما الطريق الأمثل للحفاظ على صفاء الذهن واستقرار المزاج في عالمٍ يتزايد فيه التعرض للإشعاع يوماً بعد يوم.