Contact Us
اقتصاد

الضريبة الغريبة على الصادرات تعمّق معاناة المزارعين في الأرجنتين رغم وعود ميلي بالإصلاح

freepik__a-symbolic-editorial-illustration-of-argentinas-ag__56112

على أرضه الزراعية الممتدة شمال بوينس آيرس، يسحب المزارع ماركوس بيريدا نبتة قمح من التربة مبتسمًا وهو يقول: "نمو الجذور ممتاز." ويتوقع أن تكون الغلال هذا العام أعلى من المعتاد، لكنه يضيف بأسف: "الحكومة ستحصل على شاحنة من كل عشر شاحنات من القمح، وعلى واحدة من كل أربع من فول الصويا."

إنها ما تُعرف بأنها أغرب ضريبة في العالم؛ إذ بينما تسعى معظم الدول إلى دعم صادراتها، تفرض الأرجنتين ضريبة على صادراتها الزراعية الأساسية مثل فول الصويا والقمح واللحوم والذرة، ما يفسر ضعف قطاع التصدير والعجز المستمر في احتياطات النقد الأجنبي والأزمات المتكررة في سعر العملة، بحسب تقرير نشرته صحيفة وول ستريت جورنال نهار أمس الجمعة.

ويقول بيريدا، نائب رئيس الجمعية الريفية الأرجنتينية، إن هذه الضريبة تسببت في تقلّص عدد المزارعين بنسبة 20% منذ مطلع الألفية لأن “الضرائب تلتهم جميع الأرباح.”

قبل عامين، وعد الرئيس خافيير ميلي بإلغاء الضريبة، لكنه لم يلغها إلا عن بعض المنتجات وخفّضها على أخرى. إلا أن فوز حزبه الكبير في انتخابات الكونغرس الأخيرة أعاد الأمل بإمكانية تنفيذ الإصلاح. ويرى إغناسيو كوفارسكي، رئيس اتحاد الجمعيات الزراعية، أن “هذه الحكومة تتيح فرصة حقيقية”، مشيرًا إلى أن إلغاء الضريبة سيكون خطوة إضافية في “العلاج بالصدمة” الذي يتبناه ميلي لإصلاح الاقتصاد.

ويعترف كوفارسكي بأن ميلي كان مضطرًا أولاً إلى تحقيق الاستقرار الاقتصادي، لافتًا إلى أن ميزانية العام المقبل لا تتضمن خفضًا لضريبة الصادرات، قائلاً: “أشعر كعبد أُري المفتاح الذي يحرره، وقيل له يوماً ما سأطلقك، لكن ذلك لا يحدث أبداً.”

من جانبه، قال فيديريكو ستورزينيغر، وزير تحرير الاقتصاد في حكومة ميلي، إن تقليص الإنفاق سيتيح خفض الضرائب تدريجيًا، مشيرًا إلى أن ضريبة الصادرات “مطروحة على الطاولة”، إلى جانب ضرائب العمل والمعاملات المالية. لكنه أكد أن كل قطاع “يريد أن تُخفض ضريبته الخاصة.”

ويحتاج ميلي إلى هذه الإيرادات للمحافظة على توازن الموازنة، وهي مسألة أساسية في محاربة التضخم، الركيزة المركزية في برنامجه الاقتصادي. كما يسعى إلى تجنب إغضاب إدارة ترامب، التي قدمت دعمًا بقيمة 20 مليار دولار للبيزو الأرجنتيني وساعدت في فوزه الانتخابي الأخير. وقد أدى تعليق الضريبة مؤقتًا الشهر الماضي إلى ارتفاع صادرات فول الصويا، ما أثار قلق المزارعين الأميركيين.

تعود جذور هذه الضريبة إلى عام 2002، عندما انهار نظام ربط البيزو بالدولار وتعرضت البلاد لانهيار اقتصادي حاد، ففرضت الحكومة ضريبة على المصدّرين الذين استفادوا من تراجع العملة وارتفاع الأسعار العالمية. لاحقًا، رفع الرئيس نيستور كيرشنر الضريبة لتمويل الإنفاق العام، معتبرًا أنها تساعد أيضًا على إبقاء أسعار الغذاء المحلية منخفضة. إلا أن الاقتصادي بابلو غيدوتي أوضح أن “الضرائب التي تبدأ مؤقتة تصبح دائمة.”

وبحسب شركة "إيكوأناليتيكس" الاستشارية، تشكل عائدات الضريبة 0.9% من الناتج المحلي الإجمالي مقارنة بالصفر عام 2001، فيما تُظهر بيانات البنك الدولي ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) أن الأرجنتين تعتمد على ضرائب الصادرات أكثر من أي دولة كبرى أخرى منتجة للسلع الزراعية.

ولأن الأسعار تحدد في الأسواق العالمية، يتحمل المنتجون الضريبة بأنفسهم، مما يجعل أراضيًا واسعة غير مربحة. ويقدّر اتحاد الصناعة الزراعية (CREA) أن 39% من الأراضي الزراعية غير مربحة لزراعة فول الصويا مع وجود الضريبة، بينما تصبح جميعها تقريبًا مربحة بدونها. كما تُضعف الضريبة هوامش الأرباح وتثني المزارعين عن استخدام البذور المسجلة والأسمدة الحديثة.

ويؤكد المنتجون أن هذا ما يفسر تراجع أداء الأرجنتين مقارنة بالبرازيل؛ فمنذ عام 2009 ارتفعت المساحات المزروعة بفول الصويا بنسبة 8% فقط في الأرجنتين مقابل 118% في البرازيل، وفق وزارة الزراعة الأميركية.

ويقول كوفارسكي: “البرازيليون يزرعون في أماكن كانت تُعد مستحيلة بفضل التكنولوجيا، لأن الربحية هي الدافع، بينما نحن ما زلنا عالقين في إنتاج اللحوم والحبوب والحليب بسبب ضريبة الصادرات.”

ويملك بيريدا مزرعة تبعد نحو 200 ميل شمال بوينس آيرس يزرع فيها فول الصويا والقمح والكانولا وأشجار الأوكالبتوس، وأخرى لتربية الماشية غرب البلاد. وقد حوّل نصف أرضه إلى محمية طبيعية تضم النعام والغزلان وحيوان الكابيبارا، فيما يعتمد في الجزء الآخر الزراعة المستدامة. فهو يزرع محاصيل تغطية لحماية التربة والحفاظ على رطوبتها، لكن فقط على 30% من أرضه لأن التكلفة تصبح مرتفعة جدًا مع استمرار ضريبة الصادرات.