Contact Us
مقالات

الافتتاحية I فقاعة الذكاء الاصطناعي... حين يتحوّل الأمل إلى تهديد

28 سبتمبر 2025
انهيار أسهم الذكاء الاصطناعي في الأسواق المالية

تتسارع شركات التكنولوجيا الكبرى في سباق استثماري محموم، تضخ خلاله تريليونات الدولارات في بناء مراكز بيانات وتطوير تطبيقات الذكاء الاصطناعي، وكأننا أمام اندفاعة لا سقف لها. لكن وراء هذه الأرقام المذهلة يختبئ خطر أكبر: فقاعة استثمارية قد تجرّ العالم إلى أزمة مالية جديدة، شبيهة بفقاعة الإنترنت التي انفجرت مطلع الألفية.

تقرير “رويترز بريكنغ فيوز” يكشف بوضوح أن العوائد الفعلية لهذه الاستثمارات لا تقارب حجم الإنفاق. فبينما ارتفعت قيمة أسهم “نيفيديا” 350 مرة خلال عقد، وأعلنت “أوراكل” عن إيرادات متوقعة رفعت قيمتها السوقية بمئات المليارات في يوم واحد، تُظهر الأبحاث أن 95% من الشركات التي تبنّت الذكاء الاصطناعي لم تجنِ بعد أي عائد ملموس. هذه المفارقة بين “المكاسب الورقية” في البورصات وغياب العائدات الفعلية، هي الوصفة الكلاسيكية لتكوّن الفقاعات.

أما الإنفاق الرأسمالي لشركات مثل أمازون وألفابت ومايكروسوفت قفز إلى نحو 300 مليار دولار هذا العام، مع توقّعات بإنفاق 5 تريليونات دولار بحلول 2030. أرقام كهذه توازي تقريبًا 10% من الناتج المحلي الأميركي إذا تحولت إلى عوائد مطلوبة لتبريرها، وهو أمر شبه مستحيل. وإذا ما انهارت هذه الاستثمارات أو لم تحقق المرجوّ منها، فإن انعكاساتها لن تبقى محصورة في وادي السيليكون، بل ستمتد إلى أسواق المال العالمية، تمامًا كما حدث في أزمة الرهن العقاري 2008.

وما يزيد الخطورة أن كبار التنفيذيين أنفسهم يعترفون بالمخاطرة، لكنهم يفضلون المضي قدمًا تحت ذريعة أن “خطر التراجع أكبر من خطر الإفراط”. هنا تكمن المعضلة: هل يشارك المستثمر في سباق قد يدرّ عليه مكاسب قصيرة المدى لكنه يهدده بخسائر فادحة لاحقًا؟ أم ينسحب فيُتهم بالتخلف عن الركب؟ إنها نسخة جديدة من “معضلة المبتكر” و”معضلة السجين” التي تجعل الجميع عالقين داخل الفقاعة.

في خضم كل ذلك، تعيش الأسواق اليوم نشوة شبيهة بما قبل انهيار قطاع الاتصالات في أواخر التسعينيات. آنذاك، بُنيت شبكات هائلة للجيل الثالث بتكلفة مبالغ فيها، ولم تمر سنوات حتى انهارت قيمتها وتكبّد المستثمرون خسائر تاريخية. التاريخ يذكّرنا أن الاندفاعة التقنية بلا حساب تنتهي غالبًا بالانفجار.

وفي المحصّلة، قد يكون الذكاء الاصطناعي أداة ثورية تغيّر وجه الاقتصاد العالمي، لكن الاستثمار فيه بهذه الوتيرة، من دون رؤية واضحة للعوائد أو الضوابط، يُحوّله من وعد بالنهضة إلى تهديد بالانهيار. وما لم تُوضع معايير صارمة لقياس الجدوى الاقتصادية وضبط وتيرة الإنفاق، فقد نستيقظ قريبًا على “فقاعة وادي السيليكون” الجديدة، حيث يتبخّر الوهم وتبقى الخسائر.