Contact Us
Ektisadi.com
اقتصاد

تصعيد ترامب التجاري يهز الأسهم الأميركية ويُربك الأسواق المالية

الرئيس الأميركي دونالد ترامب

الرئيس الأميركي دونالد ترامب (الإنترنت)

يواصل الدولار الأميركي تراجعًا مستمرًا منذ بداية عام 2025، حيث فقد نحو 11% من قيمته خلال النصف الأول من العام، مسجلاً أكبر انخفاض نصف سنوي منذ أكثر من خمسين عامًا، ويعزى ذلك إلى سياسات الرئيس الأميركي دونالد ترامب الاقتصادية المثيرة للجدل، وانعزالية التجارة، والضبابية السياسية والاقتصادية منذ تسلمه مقاليد السلطة في ولايته الثانية. وتفاقمت الضغوط على العملة الأميركية بعد أن هزّ ترامب الأسواق يوم الجمعة 10 أكتوبر بإعلانه عن "زيادة هائلة" في الرسوم الجمركية على الواردات الصينية بسبب خلاف حول المعادن الأرضية النادرة، وإعلانه على منصة تروث سوشيال إلغاء لقائه المخطط مع الرئيس الصيني شي جين بينغ على هامش منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ (APEC) في كوريا الجنوبية وفق ما ذكرته رويترز. وبيّن ترامب أن الصين تخطط لفرض ضوابط على جميع عناصر الإنتاج المتعلقة بالمعادن الأرضية النادرة، وهو ما قد يزعزع الأسواق العالمية ويؤثر على غالبية دول العالم، بما فيها الصين نفسها حسب الجزيرة.

وأوضح ترامب في تصريح مطول، موجّه إلى العالم، أن هناك "بعض الأمور الغريبة جدًا تحدث في الصين! فهم أصبحوا عدائيين للغاية، ويرسلون رسائل إلى دول في جميع أنحاء العالم، مفادها أنهم يريدون فرض ضوابط تصدير على كل عنصر من عناصر الإنتاج المتعلقة بالمعادن النادرة، وعلى أي شيء آخر يمكنهم التفكير فيه، حتى لو لم يتم تصنيعه في الصين. لم يرَ أحد شيئًا كهذا من قبل، لكن، في الجوهر، فإن ذلك سيؤدي إلى 'اختناق' الأسواق، وجعل الحياة صعبة على كل دولة تقريبًا في العالم، وخاصة بالنسبة للصين نفسها. لقد تواصلت معنا دول أخرى غاضبة جدًا من هذا العداء التجاري الكبير، الذي ظهر من العدم. كانت علاقتنا مع الصين خلال الأشهر الستة الماضية جيدة جدًا، مما يجعل هذه الخطوة في التجارة مفاجئة أكثر. لطالما شعرت أنهم كانوا يكذبون في الانتظار، والآن، كما هو المعتاد، تم إثبات صواب شعوري! لا يجب أبدًا السماح للصين بالسيطرة على العالم، لكن يبدو أن هذا كان خطة لهم منذ فترة طويلة، بدءًا من 'المغناطيسات' والعناصر الأخرى التي جمعوها بهدوء إلى حد ما في موقف احتكاري، وهي خطوة شريرة وعدائية للغاية، على أقل تقدير.

لكن الولايات المتحدة لديها أيضًا مواقع احتكارية، أقوى وأكثر انتشارًا من مواقع الصين. لم أختر استخدامها أبدًا، لأنه لم يكن هناك سبب لذلك حتى الآن! الرسالة التي أرسلوها طويلة جدًا، وتفصل، بدقة كبيرة، كل عنصر يريدون منعه عن الدول الأخرى. الأشياء التي كانت روتينية لم تعد كذلك على الإطلاق.

وأضاف، لم أتحدث إلى الرئيس شي لأنه لم يكن هناك سبب لذلك. لقد كانت هذه مفاجأة حقيقية، ليس بالنسبة لي فقط، بل لكل قادة العالم الحر. كان من المفترض أن ألتقي بالرئيس شي خلال أسبوعين، في قمة APEC في كوريا الجنوبية، ولكن الآن يبدو أنه لا يوجد سبب لذلك. كانت رسائل الصين غير مناسبة بشكل خاص لأنها جاءت في اليوم الذي، بعد ثلاثة آلاف عام من الفوضى والحروب، تحقق فيه السلام في الشرق الأوسط. أتساءل إن كان توقيت ذلك صدفة؟

كما أضاف قائلاً،اعتمادًا على ما ستقوله الصين بشأن الأمر العدائي الذي أصدرته للتو، سأكون مضطرًا، كرئيس للولايات المتحدة الأمريكية، إلى مواجهة تحركهم ماليًا. بالنسبة لكل عنصر تمكنوا من الاحتكار فيه، لدينا اثنان. لم أظن أبدًا أن الأمر سيصل إلى هذا الحد، لكن ربما، كما في كل الأمور، حان الوقت الآن.

خسائر كبيرة في وول ستريت الجمعة

وأدى هذا التصعيد إلى هبوط مؤشرات وول ستريت عند إغلاق تعاملات يوم الجمعة، إذ انخفض مؤشر ستاندرد أند بورز 500 بنسبة 2.71%، ليغلق عند 6552.77 نقطة، في أسوأ يوم له منذ نيسان/أبريل الفائت. كما انخفض مؤشر ناسداك 3.56% إلى 22207.28 نقطة، وداو جونز الصناعي 1.88% إلى 45480.04 نقطة.

ومنذ منتصف يناير، بدأ مؤشر الدولار بالانخفاض متأثرًا بقرارات ترامب الاقتصادية، وخصوصًا الرسوم الجمركية والنزعة الانعزالية التي روجت لشعار "أميركا أولًا"، ما أدى إلى تراجع الثقة في الإدارة الأميركية وتحول المستثمرين نحو الذهب والعملات الأجنبية كملاذ آمن. وتوقع بنك مورغان ستانلي أن يصل مؤشر الدولار إلى مستوى 91 بحلول منتصف 2026، رغم انتعاش طفيف في أكتوبر بعد بلوغه أدنى مستوياته في سبتمبر /أيلول عند نحو 96 نقطة وفق رويترز.

منذ توليه السلطة في يناير 2025، اتخذ ترامب سلسلة قرارات جمركية صادمة، كان للصين النصيب الأكبر منها، شملت فرض رسوم بنسبة 10% على الواردات الصينية و25% على المكسيك وكندا في فبراير، وزيادة الرسوم على الصلب والألمنيوم إلى 25% في الشهر نفسه، ثم رفع الرسوم على السلع الصينية المتعلقة بالفنتانيل إلى 20% في مارس، وفرض رسوم 25% على السيارات والشاحنات الخفيفة، قبل إعلان رسوم عالمية بنسبة 10% على معظم الواردات في أبريل، مع زيادة الرسوم الصينية إلى 125% ما رفع إجمالي الرسوم على السلع الصينية إلى 145%، وزيادة الرسوم على واردات الصلب والألمنيوم إلى 50% في يونيو، وتنفيذ رسوم بين 25% و40% على 14 دولة ابتداءً من أغسطس، وفرض رسوم 25% على واردات الهند و50% على معظم السلع البرازيلية، مع استثناءات لقطاعات معينة، وتمديد الهدنة الجمركية مع الصين لمدة 90 يومًا حتى نوفمبر، وتوقيع اتفاقية تجارية إطارية مع الاتحاد الأوروبي تحدد الرسوم عند 15% على معظم الواردات، قبل إعلان رسوم جديدة تشمل 100% على الأدوية ذات العلامات التجارية و25% على الشاحنات الثقيلة لتدخل حيز التنفيذ في الأول من أكتوبر وفق الجزيرة.

مع انخفاض الدولار، برزت فئات مستفيدة، حيث قفز الذهب إلى مستويات قياسية متجاوزًا 4000 دولار للأوقية في 8 أكتوبر، مدفوعًا بالطلب على الملاذات الآمنة وسط الإغلاق الحكومي وتوقعات خفض الفائدة. كما استفاد المصدرون الأميركيون إذ أصبحت صادراتهم أرخص في الأسواق العالمية، خصوصًا في مجالات التصنيع والتكنولوجيا، بينما حقق المستثمرون في الأصول الأجنبية عوائد أعلى عند تحويل الأرباح إلى الدولار الضعيف، واستمتع السياح الأجانب بزيادة قوتهم الشرائية، مما عزز قطاع السياحة المحلي، فيما تمكنت الصين والهند والدول المثقلة بالديون في أفريقيا من إدارة احتياطياتها وتحويل المزيد من التجارة إلى العملات المحلية وفق رويترز.

في المقابل، تأثر المستهلكون الأميركيون بارتفاع أسعار السلع المستوردة وتكاليف السفر، بينما تكبد المستوردون خسائر نتيجة ارتفاع التكاليف، ما قد يؤدي إلى تراجع الواردات الأميركية حتى نهاية 2025، كما هبطت أسهم الشركات الصينية المدرجة في الولايات المتحدة، مثل Alibaba وJD.com وPDD Holdings بنسبة تراوحت بين 3.9% و6.7% بعد تهديد ترامب بفرض رسوم جمركية تصل إلى 125% على الواردات الصينية.

في هذا المناخ المتقلب، دخلت البنوك الاستثمارية وصناديق التحوط في صلب الأسواق المالية، معتمدة على الذكاء الاصطناعي وخوارزميات التداول لتحليل ملايين نقاط البيانات الاقتصادية والسياسية، وتقديم توقعات دقيقة لحركة الدولار وتقلبات الأسواق، لكن هذه الأدوات تبقى محدودة في التنبؤ بالسياسات المفاجئة وغير المتوقعة مثل قرارات ترامب بشأن الرسوم الجمركية أو الضرائب وفق رويترز.

ورغم بعض الآمال في استقرار الدولار، أبدى مسؤولون أوروبيون خلال اجتماعات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي في واشنطن شكوكهم في إمكانية زوال حالة عدم اليقين حول السياسات التجارية الأميركية، مؤكدين أن النهج غير المتوقع لإدارة ترامب يربك النظام التجاري العالمي ويحفز المستثمرين على التحول نحو الأصول الأجنبية. ومع ذلك، يبقى الدولار محور النظام المالي العالمي، إذ ما تزال أكثر من نصف الصادرات العالمية مقومة به، مما يضمن مكانته كعملة احتياط رئيسية على المدى الطويل، بينما يستمر التضخم وتحديات أسعار الفائدة في فرض ضغوط إضافية على الاقتصاد الأميركي.