ما التوقعات الاقتصادية من اتفاق غزة في شرم الشيخ؟

بعد سنوات من الحصار والدمار، تشهد مصر يوم الإثنين (13 تشرين الأول/أكتوبر 2025)، حدثًا محوريًا يتمثل في توقيع "اتفاق إنهاء الحرب في غزة" ضمن فعاليات "قمة شرم الشيخ للسلام" بين عدد من الأطراف الإقليمية والدولية، في خطوة وُصفت بأنها تمهيد لمرحلة جديدة من الهدوء وإعادة الإعمار في القطاع. ويأتي هذا التوقيع في ظل غياب إيران التي أعلنت رسميًا رفضها الدعوة للمشاركة، ما أضفى بُعدًا سياسيًا إضافيًا على المشهد وأثار تساؤلات حول قدرة الاتفاق على خلق توازنات اقتصادية مستدامة في المنطقة.
انفراج إنسانية وتنفّس اقتصادي في غزة
من المتوقع أن يفتح الاتفاق، في حال دخوله حيّز التنفيذ الفعلي، نافذة إنسانية واقتصادية واسعة أمام قطاع غزة، عبر استئناف دخول المساعدات والوقود والمواد الأساسية من المعابر المصرية، وتسهيل حركة البضائع والخدمات.
وبحسب تقديرات أولية صادرة عن مراكز أبحاث اقتصادية في المنطقة، فإن تخفيف القيود على المعابر سيؤدي إلى انخفاض أسعار السلع الأساسية بنسبة قد تصل إلى 25% خلال الأسابيع الأولى من التنفيذ، إضافة إلى تحريك سوق العمل المحلي عبر مشاريع الإغاثة الأولية.
أما على المدى المتوسط، فسيكون ملف إعادة الإعمار محور النشاط الاقتصادي، إذ تشير تقديرات البنك الدولي إلى حاجة القطاع إلى ما يفوق 8 مليارات دولار لتأهيل البنية التحتية المدمّرة. وهذه المبالغ يُفترض أن تأتي من تحالف مانحين دوليين وعرب، غير أن غياب أطراف رئيسية مثل إيران قد يؤثر في حجم الالتزامات المالية، أو في موازين القوى بين المساهمين في الصندوق المزمع إنشاؤه لإدارة الإعمار.
الشفافية ومخاطر التمويل المشروط
هذا ويتوقف نجاح أي خطة اقتصادية على آليات الإشراف والشفافية في إدارة الأموال. وفي ظل تعقيدات المشهد السياسي الفلسطيني والانقسام القائم، يرى مراقبون أن الدول المانحة ستربط مساهماتها بشروط رقابية صارمة تضمن عدم تسييس المساعدات أو تسربها خارج إطار الإعمار.
وفي حال تمكنت السلطة الفلسطينية من إثبات قدرتها الإدارية، قد يشهد الاقتصاد المحلي انتعاشًا مؤقتًا ينعكس في زيادة معدلات التشغيل ونشاط قطاع المقاولات، في حين أن أي خلل إداري أو أمني قد يعيد القطاع إلى دائرة الركود ويُفقد المانحين الثقة بسرعة.
مكاسب وتحديات إقليمية
إقليمياً، ستكون مصر المستفيد الأول من الاتفاق بحكم موقعها ودورها اللوجستي، إذ من المنتظر أن تشهد موانئها ومعابرها الحدودية مع غزة نشاطًا تجاريًا متصاعدًا، إلى جانب الاستفادة من تشغيل الشركات المصرية في أعمال النقل والمقاولات والإمدادات.
أما الأردن ولبنان فسيظلان تحت تأثير مباشر للتطورات الميدانية: فهدوء غزة قد يخفّف من الضغط الإنساني ويُعيد بعض الاستقرار للمنطقة الحدودية، بينما أي انتكاسة أو تصعيد جديد قد يُفاقم الأوضاع الاقتصادية الهشّة في البلدين.
وفي دول الخليج، يُتوقع أن تُوظّف بعض العواصم الاتفاق سياسيًا لتعزيز حضورها في ملف الإعمار، وهو ما قد يفتح الباب أمام استثمارات عربية جديدة في البنى التحتية الفلسطينية، لكن ضمن إطار مشروط بالاستقرار الأمني والسياسي.
ماذا عن الأسواق والطاقة؟
لقد أبدت أسواق المال في المنطقة إشارات إيجابية مبدئية مع اقتراب توقيع الاتفاق، وسط تفاؤل بأن يؤدي الهدوء النسبي في غزة إلى خفض درجة المخاطر الجيوسياسية التي ضغطت على بورصات الشرق الأوسط خلال الأشهر الماضية.
في المقابل، يرى محللون أن استمرار التوتر أو أي تصعيد من قِبل قوى إقليمية معارضة للاتفاق، مثل إيران أو فصائل مسلحة خارج إطار التفاهمات، قد يُعيد أسعار النفط والغاز إلى الارتفاع ويُربك سلاسل الإمداد والتجارة في شرق المتوسط.
سيناريوهات ما بعد توقيع اتفاق غزة
وفق المراقبين، تتوزع التوقعات الاقتصادية بعد توقيع اتفاق شرم الشيخ بين 3 مسارات رئيسية:
سيناريو النجاح التدريجي: استقرار نسبي، تدفق تمويلات، وبداية انتعاش عمراني محدود في غزة.
سيناريو التنفيذ الجزئي: التزامات متقطعة وتمويلات مؤجلة بفعل الخلافات السياسية أو ضعف التنسيق.
سيناريو الانتكاس: انهيار التفاهمات وعودة المواجهات، ما يبدّد أي مكاسب اقتصادية مرتقبة ويُعيد المنطقة إلى مربع التوتر.
الأطراف المعنية بالحضور والتوقيع
إذًا، تتجه الأنظار غدًا إلى منتجع شرم الشيخ المصري، حيث يُنتظر توقيع اتفاق غزة بمشاركة عدد من القادة الإقليميين والدوليين، في خطوة تهدف إلى إنهاء الحرب في القطاع وإطلاق مسار جديد لإعادة الإعمار. وبحسب ما نقل موقع "أكسيوس" عن مسؤول فلسطيني رفيع مساء الأحد، فإن الرئيس الفلسطيني محمود عباس سيحضر القمة رسميًا إلى جانب الرئيس الأميركي دونالد ترامب "لوضع اللمسات النهائية على الاتفاق"، ما يؤكد أن السلطة الفلسطينية ستكون طرفًا حاضرًا في صياغة البنود النهائية وإن لم يُحسم بعد إن كانت ستوقّع رسميًا على الوثيقة أو تشارك بصفة مراقب وشريك في التنفيذ.
أما الأطراف المشاركة والمتوقعة فهي:
مصر: الدولة المضيفة والوسيط الرئيسي، ويمثلها الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي سيشارك في رئاسة الجلسة الافتتاحية. القاهرة تتولى الإشراف على آليات المعابر وملفات إعادة الإعمار.
الولايات المتحدة: يقود وفدها الرئيس دونالد ترامب الذي طرح خطة متكاملة لوقف إطلاق النار وإعادة الإعمار، ويُتوقع أن يكون من الموقعين الأساسيين على الاتفاق النهائي.
السلطة الفلسطينية: يحضر الرئيس محمود عباس للمرة الأولى منذ اندلاع الحرب، في خطوة تُعد إقرارًا بدور السلطة في المرحلة السياسية المقبلة داخل غزة والضفة على حد سواء.
الأمم المتحدة: ممثلة بالأمين العام أنطونيو غوتيريش، الذي سيلقي كلمة تتناول الإطار الإنساني والقانوني للاتفاق.
الاتحاد الأوروبي: يمثل المجلس الأوروبي رئيسه أنطونيو كوستا، إلى جانب مشاركة وزراء خارجية كل من فرنسا وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا.
دول عربية وإقليمية: من بين الحضور المتوقعين قادة السعودية وقطر والإمارات والأردن وتركيا، وكل منهم معني بدرجة مختلفة بملفات إعادة الإعمار والتمويل والدعم الإنساني.
إيران: كانت قد تلقت دعوة رسمية للمشاركة لكنها رفضت الحضور، وفق ما أعلنته مصادر دبلوماسية إيرانية السبت، في موقف يعكس استمرار الخلافات حول مضمون الاتفاق ودور طهران في الملف الفلسطيني.
إسرائيل وحماس: لن تشاركا في مراسم التوقيع، إذ يجري التعامل مع الاتفاق على أنه وثيقة سياسية–أمنية دولية تُمهّد لمرحلة وقف النار برعاية إقليمية، على أن تُستكمل التفاصيل التنفيذية لاحقًا عبر وسطاء.
مغزى مشاركة الرئيس عباس
حضور الرئيس عباس إلى القمة، وفق مراقبين، يعيد الشرعية الفلسطينية الرسمية إلى صدارة المشهد السياسي بعد غيابها الطويل عن المفاوضات المباشرة. كما يمنح الاتفاق ثقلاً سياسياً عربياً ودولياً، ويتيح للسلطة الفلسطينية أن تكون طرفًا في ترتيبات ما بعد الحرب، خصوصًا في الجوانب الإدارية والمالية الخاصة بإعادة إعمار غزة.
وتؤكد مصادر سياسية أن مشاركة عباس جاءت نتيجة تفاهم مصري–أميركي يقضي بإشراك السلطة الفلسطينية في آليات التنفيذ لضمان عدم تفريغ الاتفاق من مضمونه السياسي، ولإعطاء الفلسطينيين تمثيلًا رسميًا في العملية المقبلة.
بالإجمال، يُجمع الخبراء على أن اتفاق شرم الشيخ قد يشكّل فرصة نادرة لإنقاذ الاقتصاد الفلسطيني من الانهيار إذا ما توافرت الإرادة السياسية والضمانات الأمنية، لكنه يبقى اتفاقًا هشًا ما لم يُترجم سريعًا إلى خطوات عملية تلمسها الأسواق والمواطنون على الأرض. وبين تفاؤل المانحين وحذر المتابعين، يقف الإعمار المنتظر على حافة اختبار حقيقي: هل يُكتب له أن يكون بداية جديدة لغزة والمنطقة، أم صفحة مؤقتة في سجل طويل من الهدنات المعلّقة؟