Contact Us
Ektisadi.com
اقتصاد

هذه حصيلة أول يومين من اجتماعات صندوق النقد والبنك الدوليين في واشنطن

اجتماعات صندوق النقد والبنك الدوليين في واشنطن لخريف 2025 - تعبيرية

تستمر في العاصمة الأميركية، واشنطن، الاجتماعات السنوية لصندوق النقد الدولي ومجموعة البنك الدولي والتي كانت قد انطلقت أمس الإثنين، وسط أجواء من الترقّب والتوتّر، حيث تراوحت المداخلات بين التحذير من المخاطر المالية العالمية، والدعوة إلى إعادة هيكلة الديون، وتوترات تجارية بين الولايات المتحدة والصين. وفيما من المقرر أن تنتهي اجتماعات الخريف السبت المقبل، ما هي حصيلتها ليومي الإثنين والثلاثاء؟

تجدد التهديدات التجارية يخّيم على المجتمعين

مع افتتاح اللقاءات، تصدّر ملف العلاقات التجارية بين واشنطن وبكين المشهد، بعد أن هدّد الرئيس الأميركي بفرض رسوم بنسبة 100% على واردات صينية، ما أعاد توتر الأجواء في الأسواق.

وردّ وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت بمحاولة نزع فتيل الأزمة، قائلاً إن الرسوم العالية ليست محتمَلة بالضرورة، وإن المفاوضات ما زالت جارية.

هذه التهديدات أطلقت ردود فعل فورية في أسواق الأسهم، ودفعت المستثمرين إلى إعادة تقييم المخاطر قبل بداية الاجتماعات رسميًا.

صندوق النقد يرفع توقعات النمو ويحذّر من تصحيح “فوضوي”

وفي تقريره الجديد عن آفاق الاقتصاد العالمي (World Economic Outlook)، رفع الصندوق توقعاته لوتيرة النمو العالمي في 2025 إلى 3.2%، مقابل 3.0% في توقعه السابق، مستندًا إلى مؤشرات أن الصدمات التجارية كانت أقل سوءًا مما كان متوقعًا.

لكن هذا الترقّي في التوقعات جاء مع ملاحظة حذِرة: الصندوق يُحذّر من أن تجدد النزاع التجاري الأميركي الصيني يمكن أن يقلب المعادلة ويُسهم في تباطؤ أكبر.

وفي تقرير الاستقرار المالي (GFSR)، أشار الصندوق إلى أن “السوق يبدو مرتاحًا قليلًا أكثر ممّا هو عليه في الواقع” وأن احتمالية وقوع “تصحيح فوضوي” في الأصول ترتفع مع اختلال التوازن بين التقييمات والمخاطر الكامنة.

تآكل الثقة في البنوك المركزية: مخاطرة جديدة

ومن المحطات اللافتة في تصريحات المسئولين اقتصاديًا، تحذير كبير الاقتصاديين في الصندوق بيار-أوليفييه غورنشاس (Pierre-Olivier Gourinchas) من أن الضغط على البنوك المركزية لخفض الفائدة قد يُضعِف ثقة الجمهور بها، وهو أمر قد يرفع توقعات التضخّم.

وقال في مؤتمر صحفي إن "فقدان الثقة في البنوك المركزية ينعكس سريعًا على التوقعات التضخمية، والاستقلالية يجب أن تُصان".

الذكاء الاصطناعي: بريق يُخشى أن ينفجر

وكان لافتًا في إحدى المداخلات، ما أشار إليه الصندوق من أن موجة الاستثمارات الضخمة في الذكاء الاصطناعي قد تشبه فقاعة “الدوت كوم” في أواخر التسعينات، وإنه إذا انفجرت، قد تُحدث موجة تصحيح في عدة أسواق مالية.

لكنه أضاف أن هذه الفقاعة، إن وجدت، قد تظل محصورة في شركات التكنولوجيا دون أن تنتشر مباشرة إلى القطاع البنكي التقليدي، لأنها ليست مدعومة بالديون المفرطة.

ديون العالم على المحك... تجاوزت 109 تريليونات دولار في الأسواق الناشئة

في مداخلتها، كرّرت المديرة العامة لصندوق النقد كريستالينا جورجيفا دعوتها الموجّهة إلى دول مجموعة العشرين لتبني ملف ديون الدول النامية باعتباره أولوية ملحّة، مشددة على أن بعض الدول قد تولد لها أزمات سيولة حتى لو كانت ديونها تبدو قابلة للإدارة.

وقد أشارت إلى أن ديون الأسواق الناشئة تجاوزت 109 تريليون دولار في الربع الثاني من 2025، وفق إحصائيات معهد التمويل الدولي، ما يُعد مؤشّرًا على هشاشة مالية عالمية عالية.

مواقف البنك الدولي: الوظائف على رأس الأولويات

رئيس البنك الدولي آجاي بانغا (Ajay Banga) استغل الندوات والاجتماعات الجانبية لتشديد التركيز على أن الهدف الأبرز للبنك هو خلق فرص العمل، وتعزيز النمو الشامل الذي يشمل الفقراء والمهمّشين.

كما أعلن عن إصلاحات إدارية داخلية لتعزيز الكفاءة والتنسيق بين وحدات البنك المختلفة، في محاولة لتجاوز الانتقادات التي تُوجَّه إليه حول البيروقراطية والبطء.

لكن هذا التوجّه لم يُعفِ البنك من الخلاف على ملف المناخ: مشروع قرار ضمن مجلس المديرين يدعو إلى تخصيص 45% من تمويل البنك سنويًا للمشاريع المناخية، قوبل بالامتناع عن التوقيع من بعض الدول الكبرى، من بينها الولايات المتحدة، ما يكشف عن صراع داخلي في الأولويات.

كيف ردّت الأسواق؟ وماذا وراء الكواليس؟

هذا وأظهرت أسواق الأسهم والاستثمارات استجابة فورية لتهديدات الرسوم الأميركية؛ فقد انخفضت بعض المؤشرات بسرعة قبل أن تلتقط الأنفاس بعد تصريح بيسنت، غير أن الحالة العامة بقيت هشة.

في الكواليس، يقول مذيعون من الداخل المالي إن الكثير من الاجتماعات الثنائية والمفاوضات “خلف الأبواب المغلقة” تُركّز على إعادة الترتيب بين الدول الدائنة والدول المدينة، وكيفية تضمين القطاع الخاص في آليات إعادة الهيكلة.

ما هو المنتظر في القادم من الأيام؟

وفي ما تبقى من نشاط الاجتماع الذي تنتهي فعالياته السبت المقبل، اجتماع لجنة التنمية (Development Committee) واجتماع لجنة النقد والمالية الدولية (IMFC): حيث يُتوقّع اعتماد توصيات واستعراض الوثائق النهائية للأعضاء.

هذا بالإضافة إلى مؤتمرات صحفية ختامية من جورجيفا وبانغا، يُنتظر أن تتضمن مواقف أكثر وضوحًا حول الخطوات القادمة والتعامل مع التحديات التي طرحتها الجلسات.

ومن المحتمل ظهور تعهّديات جديدة من الدول المانحة أو إطلاق صناديق تمويل لدول تحتاج دعمًا عاجلًا.

في غضون ذلك، تتبّع ردود الدول الكبرى لقرارات الرسوم الأميركية وتأثيراتها المحتملة على النمو العالمي قد تُعدّل بعض التوقعات أو السياسات في اليوم الأخير.

في المحصلة، يمكن القول إن انطلاق الاجتماعات في واشنطن حمل رسائل درامية مفادها أن الأسواق تبدو مستقرة على السطح، لكن التوترات الاقتصادية والتجارية تكمن كقنابل موقوتة. والبارز تأكيد الصندوق والبنك الدولين أن الطريق إلى استقرار عالمي يمر عبر معالجة الديون وحماية الثقة في المؤسسات النقدية وضبط التوازن بين طموحات المناخ والنمو التقليدي. ومن شأن الأيام القادمة أن تكشف ما إذا كانت هذه التوصيات ستترجَم إلى خطوات فعلية، أو تبقى محصورة في التصريحات.