إنفجار هاتف سامسونغ في بافليه... تصاعد الظاهرة يثير القلق في لبنان

شهدت بلدة بافليه الجنوبية صباح اليوم حادثة لافتة عندما إنفجر هاتف من طراز سامسونغ في منزل أحد المواطنين أثناء شحنه خلال ساعات الصباح الأولى، من دون تسجيل أي إصابات بشرية، فيما اقتصرت الأضرار على الماديات. ووفقاً لمصادر محلية نقلها موقع ليبانون فايلز فإن الحادث وقع بسبب تقادم البطارية وبقائها على الشاحن لفترة طويلة، ما أدى إلى ارتفاع حرارتها وانفجارها داخلياً. ورغم طمأنة الخبراء بأن الأمر ليس استثنائياً من الناحية التقنية، إلا أن تكرار مثل هذه الحوادث في لبنان خلال الأسبوعين الأخيرين يثير القلق من ظاهرة بدأت تتوسع بوتيرة لافتة.
فخلال أسبوعين فقط، تم تسجيل نحو خمس حالات لإنفجار هواتف ذكية في مناطق لبنانية متفرقة، وفق ما أوردته صحيفة النهار اللبنانية، تنوّعت بين أجهزة سامسونغ وتكنو، حيث وقع أحد الحوادث في منطقة برج البراجنة، وآخر في زحلة، وثالث في طرابلس، فيما سُجلت حالتان في الجنوب، كان آخرها في بلدة بافليه. هذه الحوادث التي لم تسفر عن إصابات خطيرة حتى الآن، دفعت الجهات المختصة وخبراء التقنية إلى التحذير من إهمال إجراءات الأمان الأساسية أثناء شحن الأجهزة، خصوصاً في ظل إرتفاع درجات الحرارة واهتراء البنى الكهربائية في بعض المناطق اللبنانية.
ويفسّر خبراء التكنولوجيا هذه الظاهرة من منظور علمي بحت، إذ تعتمد معظم الهواتف الذكية الحديثة على بطاريات ليثيوم-أيون عالية الكثافة، وهي بطاريات تُعرف بأدائها الممتاز لكن حساسيتها الشديدة لأي خلل في الشحن أو التصنيع. ووفقاً لتقرير صادر عن هيئة السلامة الأميركية للطاقة USFA فإن هذه البطاريات تحتوي على سوائل قابلة للاشتعال، وإذا حدث خلل داخلي بسيط أو شُحن الجهاز لساعات طويلة تتولد حرارة مفرطة قد تؤدي إلى ما يُعرف علمياً بـ “الهروب الحراري” Thermal Runaway وهو تفاعل متسلسل يرفع درجة حرارة الخلية إلى أكثر من 400 درجة مئوية، ما يسبب إنفجارها.
أما على صعيد الأسباب التصنيعية، فقد نشرت مجلة Wired الأمريكية المتخصصة بالتكنولوجيا تحقيقاً شاملاً عام 2017 عن أزمة هواتف Galaxy Note 7 من سامسونغ، أوضحت فيه أن السبب الرئيس لإنفجارات تلك الأجهزة كان وجود عيوب تصنيع دقيقة في حواف البطارية تسببت بضغط على القطب الموجب وسخونة مفرطة أدت إلى تماس داخلي. وأشارت المجلة إلى أن خطأً بسيطاً في السماكة الداخلية أو توزيع الطبقات العازلة قد يؤدي بعد أشهر من الإستخدام إلى انهيار كيميائي مفاجئ داخل البطارية.
وتشير دراسات حديثة صادرة عن موقع Battery University إلى أن أكثر من 48 في المئة من حوادث انفجار الهواتف المحمولة عالمياً تعود إلى سوء إستخدام البطارية، سواء بوضعها في أماكن حارة، أو تركها على الشاحن طوال الليل، أو إستخدام شواحن مقلدة غير مطابقة للمواصفات. وتوضح الدراسة أن البطارية المتقادمة التي تجاوزت 500 دورة شحن تفقد نحو 20 إلى 30 في المئة من كفاءتها الكيميائية، مما يجعلها أكثر عرضة للتفاعل الحراري والإنفجار، خصوصاً في الدول التي ترتفع فيها الرطوبة مثل لبنان.
في السياق اللبناني، يرى خبراء الطاقة أن الأزمة الإقتصادية وتراجع القدرة الشرائية دفعت كثيراً من المستهلكين إلى الإعتماد على شواحن مقلدة وبطاريات غير أصلية لخفض التكاليف، مما يزيد المخاطر. ووفقاً لتقرير منظمة Standardization Lebanon فإن السوق اللبنانية شهدت خلال العام الماضي إرتفاعاً بنسبة 35 في المئة في إستيراد الإكسسوارات الإلكترونية غير الموثوقة، معظمها من أسواق آسيوية لا تخضع لمعايير الأمان الدولية. وهذا العامل يُعد أحد أبرز أسباب تكرار الحوادث، لأن جودة الشواحن الرديئة قد تسبب تدفقاً عشوائياً للتيار الكهربائي نحو البطارية، ما يؤدي إلى تسخينها بشكل غير متوازن.
ومن جهة أخرى، لم يغب عن النقاش العام في لبنان الربط بين هذه الانفجارات وبين المخاوف الأمنية التي تفاقمت عقب تفجيرات أجهزة “البيجر” والاتصالات اللاسلكية في أيلول/سبتمبر 2024، والتي تسببت حينها بمقتل أكثر من 30 شخصاً وإصابة المئات وفقاً لتقرير نشرته الجزيرة نت في 17 أيلول/سبتمبر 2024. ورغم أن الحوادث الأخيرة لا تحمل أي طابع أمني أو تفجيري، إلا أن تشابه المشهد البصري عند انفجار الأجهزة أثار مجدداً قلق المواطنين من إمكانية إستخدام الأجهزة الإلكترونية كسلاح تقني في ظل التوترات الإقليمية.
ويُجمع الخبراء، بحسب ما ورد في تقرير موقع TechRadar العالمي، على أن الوقاية هي العامل الأهم لتجنب هذه الإنفجارات، إذ يُنصح بتبديل البطاريات القديمة كل سنتين كحد أقصى، وإستخدام الشواحن الأصلية فقط، وتجنب شحن الهاتف أثناء النوم أو على الأسطح القابلة للاشتعال، إضافة إلى تفادي استخدام الهاتف عند ارتفاع حرارته أو انتفاخه. كما توصي الشركات العالمية مثل سامسونغ وأبل في نشراتها التقنية بضرورة شحن الأجهزة في أماكن جيدة التهوية وتفادي تعرضها لأشعة الشمس المباشرة لفترات طويلة.
وتشير بيانات صادرة عن منظمة Fire Safe Europe إلى أن نحو 17 ألف حادث انفجار بطارية يُسجّل سنوياً على مستوى العالم، منها 4 في المئة فقط تؤدي إلى إصابات بشرية مباشرة، فيما البقية تنحصر في أضرار مادية بسيطة. أما في الشرق الأوسط، فقد رصد الإتحاد العربي لحماية المستهلك زيادة بنسبة 22 في المئة في بلاغات تلف البطاريات خلال عام 2024، ما يعكس حاجة السوق الإقليمية إلى مزيد من الرقابة على جودة الأجهزة المستوردة.
في ضوء هذه المعطيات، يبدو أن حادثة إنفجار هاتف سامسونغ في بافليه ليست حادثة منعزلة، بل جزء من نمط عالمي يتفاقم مع إنتشار الهواتف الذكية الرخيصة وغياب الوعي الإستهلاكي. فالعامل الإقتصادي، كما تؤكد منظمة GSMA في تقريرها لعام 2024، يجعل نحو 56 في المئة من المستخدمين في الدول النامية يستبدلون البطارية فقط بعد ظهور عطل خطير، وليس عند إنتهاء عمرها الإفتراضي، مما يزيد إحتمال وقوع الحوادث.
تُذكّر هذه الحادثة بضرورة التحلّي بالحذر ومراقبة الأجهزة المنزلية بشكل مستمر، فالوقاية تبدأ من وعي المستخدم لا من المصنع. ومع إزدياد الإعتماد على الأجهزة الذكية في لبنان في ظل أزمات الكهرباء والإنقطاع الطويل للتيار، تبقى مسؤولية الفرد مضاعفة، لأن إهمال شاحن واحد قد يتحول إلى شرارة تُحدث كارثة، ولو بلا إصابات، كما حصل هذا الصباح في بافليه.
