Contact Us
Ektisadi.com
سياحة وسفر

إنديغو تعصف بالرحلات الجوية في الهند: فوضى المسافرين وتدخل الحكومة

إلغاء آلاف الرحلات

شهدت حركة الطيران في الهند حالة من الفوضى العارمة نتيجة انهيار العمليات التشغيلية في أكبر شركات الطيران في البلاد، إذ اضطرت الشركة إلى إلغاء أكثر من ألف رحلة خلال يوم 5 كانون الاول/ديسمبر وحده، ما أثر بشكل مباشر على ما يقارب نصف مليون مسافر، حيث وجدوا أنفسهم عالقين وسط ارتباك هائل في المطارات ومواعيد الرحلات.

وبعد مرور ثلاثة أيام بدأت شركة إنديغو في استعادة العمليات تدريجياً، إلا أن مئات الرحلات ما زالت تُلغى يومياً، في ظل جهود الرئيس التنفيذي بيتر إلبيرس، المكثفة لإعادة جداول الرحلات إلى مسارها الطبيعي. وأبدى المنظم الجوي الهندي استياءه من الشركة متهماً إياها بـ إخفاقات كبيرة في التخطيط والرقابة وإدارة الموارد، وهو ما سلط الضوء على الثغرات الحادة في إدارة العمليات التشغيلية لأكبر مشغل محلي, بحسب بلومبيرغ.

على ضوء هذا الانهيار، أطلقت الحكومة الهندية تحقيقاً عاجلاً لفهم أسباب التعثر الذي واجهته شركة تسيطر على نحو ثلثي سوق الطيران المحلي، وذلك في محاولة لتحديد المسؤوليات ومنع تكرار مثل هذه الأزمات في المستقبل. وأشار خبراء الصناعة إلى أن نقص الطيارين كان عاملاً أساسياً وراء عدم قدرة الشركة على المحافظة على استقرار عملياتها خلال فترات الاضطراب، ما كشف عن ضعف كبير في استراتيجيات إدارة الموارد البشرية للطيران.

وأدى هذا الانهيار التشغيلي إلى تراجع حاد في قيمة أسهم شركة إنديغو الأم، InterGlobe Aviation Ltd.، حيث انخفضت بما يقارب 17% حتى تاريخ 8 كانون الاول/ ديسمبر، ما أزال نحو 4.5 مليار دولار من قيمتها السوقية وهو ما يعكس الأثر المالي الفادح الذي يمكن أن يسببه انهيار العمليات التشغيلية على أكبر الشركات في السوق المحلية للطيران.

واجهت شركة إنديغو سلسلة من الأزمات المتزامنة التي أدت إلى اضطراب كبير في عملياتها التشغيلية. وأرجعت الشركة هذه الأزمة إلى مجموعة متنوعة من العوامل، شملت أعطالاً تقنية بسيطة لكنها متكررة، وظروفاً جوية غير مواتية، وتغييرات متلاحقة في جداول الرحلات، إضافة إلى الازدحام في المطارات. كما كان لتشديد القواعد الجديدة المتعلقة بفترات الراحة الإلزامية للطيارين أثر كبير، إذ صُممت هذه القواعد لتقليل الإرهاق لكنها فرضت قيوداً على ساعات العمل وجداول الطيارين مما زاد من صعوبة إدارة العمليات بسلاسة, وفقا لبلومبيرغ.

عادةً ما يتم إعداد جداول الطيارين وتنظيمها قبل شهر كامل من تاريخ الرحلة، ولكن موجة الإلغاءات المتتابعة دفعت بالكثير من الطائرات وفرق الطاقم إلى التواجد في مواقع غير مناسبة، ما حال دون تشغيل الرحلات وفق ما كان مخططاً له، وأدى إلى فوضى تنظيمية حقيقية على الأرض وفي السماء.

تشتهر إنديغو بأسلوبها الصارم في إدارة التكاليف وكفاءتها التشغيلية العالية، إذ تعتمد على دورات تشغيل سريعة للطائرات ويصل عدد رحلاتها اليومية إلى أكثر من 2,200 رحلة. وقد مكّنها هذا النمو الكبير من تحقيق وفورات ضخمة بفضل الاقتصاديات المتصلة بالحجم، لكنه في الوقت نفسه زاد من نقاط الضعف المحتملة، وجعل أي خلل صغير قادراً على التسبب في سلسلة من المشكلات المتشابكة التي تهدد استقرار العمليات التشغيلية بشكل كامل.

وتفرض القواعد الجديدة الخاصة بفترات الراحة الإلزامية للطيارين قيوداً صارمة على تشغيل الرحلات الليلية، بحيث لم تعد شركات الطيران قادرة على إدارة نفس عدد الرحلات الليلية السابقة إلا إذا عززت أسطولها البشري بعدد أكبر من الطيارين لتغطية هذه الفترات الإلزامية. وتجدر الإشارة إلى أن هذه التعديلات التنظيمية لم تكن مفاجئة، فقد كانت السلطات تخطط لها منذ عامين، ما منح شركات الطيران فترة تحضير طويلة. ومع ذلك، أشار المسؤولون الحكوميون إلى أن إنديغو لم تستفد من هذه المهلة بالشكل الكافي، حيث كان من المتوقع أن تبدأ الشركة مبكراً في توظيف الطيارين والطاقم اللازم لمواجهة تطبيق هذه القواعد اعتباراً من الأول من تشرين الثاني/نوفمبر، لتجنب أي تأثير سلبي على جدولة الرحلات واستقرار العمليات التشغيلية, وفق ما نشرته بلومبيرغ.

تداعيات أزمة إنديغو على المسافرين

بدأت موجة الاضطرابات في 3 كانون الاول/ ديسمبر وتفاقمت بسرعة، لتصل إلى مستوى أدى فيه إلى إلغاء معظم الرحلات التابعة لشركة إنديغو من وإلى مركزها الرئيسي في مطار دلهي الدولي. ومع تفشي الفوضى، أدى ضعف التواصل من قبل الشركة إلى حالة من الارتباك بين المسافرين الذين كثيراً ما وجدوا أنفسهم غير متأكدين ما إذا كانت رحلاتهم قد أُلغيت نهائياً أم مجرد تأجيل مؤقت. وتجمع المسافرون عند مكاتب التذاكر وأقسام تسجيل الوصول وبوابات الصعود إلى الطائرة، وسط مشاهد توتر وغضب، حيث عبّر البعض عن إحباطهم بصراخهم على الموظفين، بينما فقد آخرون أمتعتهم في خضم الفوضى المتفاقمة.

أما بالنسبة لأولئك الذين حاولوا التحول إلى شركات طيران بديلة، فقد واجهوا تكاليف مرتفعة للغاية. مثلا كانت تذاكر شركة إير إنديا للرحلة من مومباي إلى دلهي تُباع بمبلغ 52,000 روبية (578 دولاراً) للفرد الواحد في رحلة ذهاب، وهو ما يقارب عشرة أضعاف متوسط أسعار التذاكر المعتادة. وعبر عدد من عملاء إنديغو عن غضبهم وهددوا بمقاضاة الشركة عبر منصات وسائل التواصل الاجتماعي، تعبيراً عن استيائهم من الأزمة التي واجهوها وخسائرهم المادية والمعنوية الناتجة عنها, بحسب بلومبيرغ.

وكان أمام المسافرين خيار الانتقال إلى شركات طيران أخرى، إلا أن ذلك لم يكن حلاً عملياً للكثيرين بسبب ارتفاع التكاليف بشكل كبير. فقد وصلت أسعار تذاكر شركة إير إنديا للرحلة من مومباي إلى دلهي إلى 52,000 روبية (578 دولاراً) للفرد الواحد في رحلة ذهاب، وهو ما يقارب عشرة أضعاف متوسط الأسعار المعتاد، مما جعل الحصول على مقعد بديلاً أمراً شبه مستحيل بالنسبة لمعظم المسافرين. وأدى ذلك إلى حالة من الغضب والاستياء بين عملاء إنديغو، الذين لجأ بعضهم إلى تهديد الشركة برفع دعاوى قضائية عبر منصات التواصل الاجتماعي احتجاجاً على سوء الإدارة والفوضى التي تعرضوا لها.

وكانت الأزمة أشد وطأة على الركاب العالقين في المدن الصغيرة، حيث يواجهون خيارات محدودة للتنقل. ففي مطار كانور الدولي بجنوب غرب الهند الذي يشغّل بالكاد نحو اثنتي عشرة رحلة يومياً، وجدت المسافرة بريكشا فيفيكاناندان نفسها عاجزة عن الوصول إلى أي وسيلة نقل بديلة سواء كانت حافلات أو قطارات. وقالت فيفيكاناندان، وهي موظفة في هيئة الخدمات الصحية الوطنية البريطانية: "أنا عالقة تماماً ولا أعرف ماذا أفعل بعد ذلك"، معبرة عن شعور الإحباط واليأس الذي أصاب المسافرين في مثل هذه المناطق الصغيرة نتيجة توقف العمليات الجوية وانعدام البدائل المتاحة.

هيمنة إنديغو على قطاع الطيران الهندي

بدأت شركة إنديغو رحلتها في قطاع الطيران الهندي عام 2006 بطائرة واحدة من طراز إيرباص A320 انطلقت من نيودلهي، ومنذ ذلك الحين شهدت نمواً هائلاً، حيث تمكنت من السيطرة على نحو ثلثي السوق المحلي وأسست أسطولاً يضم أكثر من 410 طائرات، ما جعلها اللاعب الرئيسي والأكثر تأثيراً في سوق الطيران الداخلي.

ويُظهر التاريخ الحديث للقطاع مدى التحديات الكبيرة التي تواجه شركات الطيران في الهند، فقد شهدت البلاد انهيار عدة شركات نتيجة خطط نمو طموحة جداً لم تتوافق مع الواقع المالي وسلاسل الإمداد، ما يعكس صعوبة الحفاظ على استقرار العمليات في بيئة تتسم بالتقلبات والتنافس الشديد. وقد كان صعود إنديغو السريع مدعوماً جزئياً بفشل منافسين كبار مثل Kingfisher Airlines وJet Airways وGo First، بينما أدت المشاكل المالية إلى إضعاف ثالث أكبر شركة طيران محلية، سبايسجيت، ما منح إنديغو مساحة أوسع لتوسيع هيمنتها في السوق.

ويأتي في المرتبة الثانية بعد إنديغو مجموعة إير إنديا، الناقل الذي كان مملوكاً للدولة سابقاً وانتقل لاحقاً إلى ملكية مجموعة TATA القوية. وتخضع إير إنديا حالياً لإصلاح شامل بعد عقود من الخسائر ونقص الاستثمار، حيث استوعبت شركتين أخريين هما Vistara وAirAsia India. ومع ذلك، فإن قدرتها على منافسة إنديغو بشكل فعّال تتأثر بطبيعة إعادة الهيكلة الطويلة، والاعتماد على طائرات جديدة لم يتم تسليمها بعد، مما يجعل التحدي أمامها كبيراً في موازاة الهيمنة التي حققتها إنديغو على السوق المحلية, وفقا لبلومبيرغ.

اجراءات عاجلة لتحقيق الاستقرار وحماية المسافرين

كما استجابت الحكومة الهندية للأزمة التي شهدتها شركة إنديغو بعدة إجراءات عاجلة تهدف إلى إعادة الأمور إلى مسارها الطبيعي وحماية مصالح المسافرين. ففي البداية، قامت الحكومة بتعليق مؤقت للحدود الجديدة المتعلقة بساعات الطيران الليلي للطيارين، وذلك لمنح الشركة القدرة على تعديل جداول رحلاتها واستعادة استقرار العمليات بعد الإلغاء الجماعي للرحلات.

وفي خطوة رسمية، طالبت الهيئة العامة للطيران المدني (DGCA) الرئيس التنفيذي لإنديغو بيتر إلبيرس ومدير العمليات إيسيدري بوركيراس، بتقديم تفسيرات مكتوبة حول أسباب الإخفاقات التشغيلية. وأكدت الهيئة في خطابها أن الشركة فشلت في أداء واجبها المتمثل في ضمان الترتيبات الضرورية لتسيير عمليات موثوقة وتوفير المرافق الأساسية للمسافرين، وهو ما اعتُبر إخلالاً بالمسؤوليات الإدارية والتشغيلية.

على صعيد التحقيق، أمر وزير الطيران المدني، رام موهان نايدو، بفتح تحقيق شامل لتقصي أسباب الاضطرابات. وأوضح الوزير أن التحقيق سيركز على تحديد المسؤوليات بدقة واتخاذ الإجراءات المناسبة حيالها، إضافة إلى تقديم توصيات تهدف إلى منع تكرار مثل هذه الفوضى مستقبلاً، وضمان عدم تعرض المسافرين لمثل هذه المعاناة مرة أخرى.

مع تزايد الطلب على رحلات بديلة، بادرت شركات الطيران المنافسة بإضافة رحلات إضافية لاستيعاب المسافرين العالقين من عملاء إنديغو، وهو ما أدى إلى ارتفاع أسعار التذاكر بشكل حاد نتيجة الطلب المفاجئ. وعليه تدخلت الحكومة لتحديد سقف أسعار التذاكر، بحيث لا تتجاوز 7,500 روبية (83.30 دولاراً) للرحلات التي تصل إلى 500 كيلومتر، و18,000 روبية (199.8 دولار أميركي) للرحلات التي تزيد عن 1,500 كيلومتر، مع التأكيد على أن هذه القيود ستظل سارية حتى عودة استقرار الوضع.

كما قامت السكك الحديدية الهندية الحكومية بتدابير إضافية لتخفيف الضغط على النقل الجوي، من خلال إضافة 116 عربة جديدة إلى 37 قطاراً قائمة، وتشغيل أربع رحلات قطار خاصة لنقل الركاب العالقين، في محاولة لتوفير حلول بديلة للنقل وتقليل معاناة المسافرين, وفق ما اوردته بلومبيرغ.

سعر الصرف 1 روبية هندية = 0.0111 دولار أميركي