نصفُ وعد

الكاتبة فدى الحاج (إقتصادي.كوم)
قالها بصوت يشبه الاطمئنان...
أنتِ الخيَار الذي لن أتخلّى عنه يومًا.
حينذاك، صدقته بكل ما أوتيت من لهفة، كأن كلماته كانت وعدًا بالحياة ذاتها. منذ تلك اللحظة، صارت تؤمن بأنّ ثمة لقاءات لم تكن مصادفة، كيف لا وهو القائل: وجدت فيكِ ملامحي التي ضاعت بين الزحام؟!
عرفتُ نفسي حين عرفتكِ...
كانت تراه مرساها عندما تتلاطم أمواجها بسدّ الحياة، وامتدادًا لنبضات قلبها. لكن الوعود، مهما كانت صادقة، تضعف أمام ثقل الأيام.
بدأ الغياب ينسلّ، كظلٍّ لا يُرى، حتى غدت المسافات بين كلماته أوسع من الطمأنينة التي وعدها بها.
كانت دائمًا تخلق له أعذارًا، تحاول ألّا تصدّق، تقنع نفسها بأنه متعب، منشغل، أو أن الصمت طريقته في الحب. لكن شيئًا ما في داخلها كان يخفق، وما تشعر به ليس من فراغ، كانت تقف أمام مرآتها تهمس لنفسها قوله كمن يعيد صلاته المنسية: "لن أتخلى عنك مهما حصل"... ثم تدمع، وبعد ذلك تبتسم، لتدرك أنّه وعدٌ يُكسَر بهدوءٍ يشبه النسيان.
وفي المساء، حين يهبّ الحنين كعاصفة، كانت تستعيد صوته، طريقته في قول اسمها، وضحكته التي كانت تسبقها الحياة. كأن الحياة أرادت الانتقام من قلبها به، انتظرته كثيرًا، كانت تراه في ذاكرتها ملاذًا جميلًا.
هو لم يرحل تمامًا، ترك نصفه عالقًا، ونصف وعدٍ يوجعها كلما ذكرته.
مع مرور الوقت، لم تعد تنتظر. اكتشفت أن الانتظار شكلٌ آخر من الفقد. بدأت تكتب لا لتستعيده، بل لتستعيد نفسها منه.
كانت كل كلمة تكتبها تمزق أحشاءها، لكنها كانت ترشدها إلى طريق النجاة، وكل دمعة تسقط هي كغبار يُخفي ملامحها القديمة.
ذات يوم، مّرت بمكانٍ جمعهما معًا، الرصيف نفسه، المقهى ذاته، أصوات الموسيقى والألوان، لكن قلبها لم يرتجف كما كان من قبل. ابتسمت كما لو أنها تسامحه، لا لأنه يستحق، بل لأنها سئمت حمل وعدٍ لم يُكمل طريقه. تنهدت في سرّها قائلة:
"ربما لم يكذب حين وعد، لكنه لم يستطع البقاء، فليس كل من وعد وفى، فإنَّ للوعود رجالًا، كما للتضحية أمهات!
في النهاية، توقفت عن البحث عن الكمال في وعود الآخرين، وأدركت أن كل ما تريده هو السلام الداخلي، من دون أن تنتظر حبًّا من أحد.
