Contact Us
Ektisadi.com
إعلام وفنون

حرية الصحافة على المحك... ضغوط تهدد الإعلام حول العالم

ضغوط متزايدة

في تصعيد غير مسبوق للأزمة بين الإعلام والسلطة المحلية في بريطانيا، فرض زعيم مجلس نوتنغهامشير ميك بارتون، من حزب ريفروم يو كي، حظرًا شاملًا على صحيفة Nottingham Post بعد نشرها تقريرًا في آب/أغسطس كشف انقسامات داخل حزبه. القرار شمل وقف البيانات الصحفية للصحيفة، ومنع مراسليها من حضور الفعاليات الرسمية، وحظر تواصل أعضاء المجلس معها بالكامل.

تصاعد التوتر لفترة حيث دافعت الصحيفة ومالكوها عن تغطيتهم، واستعانوا بالمشورة القانونية، في حين ظهر نائب زعيم الحزب الوطني ريتشارد تايس على شاشات التلفزيون البريطانية لشرح موقف الحزب، مؤكداً أن الديمقراطية تعني "اختيار من تتحدث إليه" بحسب بلومبيرغ.

ورغم أن النزاع قد يبدو محليًا، إلا أنه يعكس ظاهرة أوسع: القيود المتزايدة على وسائل الإعلام في دول كانت تعتبر حرية الصحافة أمرًا مفروغًا منه، نتيجة انخفاض ثقة الجمهور وارتفاع شعبية وسائل التواصل الاجتماعي، إلى جانب محاولات السياسيين الحد من حرية الصحفيين في طرح الأسئلة الصعبة.

الضغوط الاقتصادية وتأثيرها على وسائل الإعلام

تأتي هذه الضغوط في وقت تواجه فيه صناعة الإعلام تحديات مالية حادة، ويصبح السياسيون أكثر ميلاً لاستغلال القوانين والتنظيمات وكذلك القوة التجارية للضغط على مالكي وسائل الإعلام. ويفسّر مارتن بارون، المحرر السابق لصحيفتي واشنطن بوست وبوسطن غلوب، الوضع بالقول: "هناك العديد من نقاط الضعف، وأبرزها الجانب الاقتصادي. السياسيون يعرفون أن الظروف الحالية مثالية لممارسة تأثير ضار على الإعلام التقليدي".

تقرير منظمة "مراسلون بلا حدود" لعام 2025 يشير إلى أن التحديات المالية تمثل تهديدًا رئيسيًا لحرية الصحافة، لا سيما على مستوى الصحافة المحلية. فقد أدى تراجع إيرادات الإعلانات المبوبة وارتفاع الاعتماد على الأخبار الرقمية إلى الضغط على الموارد المالية للصحف لعقود طويلة، مما دفع العديد من المؤسسات الإعلامية، بعضها يعمل منذ أكثر من مئة عام، إلى الإغلاق. ووفق دراسة لجامعة نورثويسترن، أغلقت حوالي 3,300 صحيفة في الولايات المتحدة بين عامي 2005 و2024، ما قلّص عدد الصحفيين المتمرسين القادرين على مساءلة المسؤولين المحليين, وفق ما نشرته بلومبيرغ.

حتى المؤسسات الإعلامية الكبيرة في الولايات المتحدة لم تسلم من الضغوط الاقتصادية والسياسية في الوقت نفسه. مثال على ذلك، ما حدث مع المذيع الليلي جيمي كيميل عندما أثارت تعليقاته حول وفاة المعلق اليميني تشارلي كيرك رد فعل حادًا من جمهوره، وتضاعفت حدة الموقف بعد أن هدد رئيس لجنة الاتصالات الفيدرالية بإلغاء تراخيص محطات ABC. هذا التهديد أثر على أسهم Walt Disney Co، كما دفعت بعض المحطات التابعة إلى الامتناع عن بث ظهور كيميل التالي تجنبًا لأي خسائر مالية محتملة.

يعكس هذا الوضع هشاشة غرف الأخبار الكبيرة، التي غالبًا ما تكون جزءًا صغيرًا من إمبراطوريات إعلامية متعددة القطاعات تشمل الترفيه، والفعاليات، والعقارات، والتكنولوجيا، والرعاية الصحية. هذه الشركات المتنوعة توفر نقاط ضغط يمكن للسياسيين استخدامها للسيطرة على الإعلام أو توجيه سلوكه بما يتوافق مع مصالحهم.

على مدى فترة من الزمن، كاد النزاع أن يتصاعد إلى مستوى أكبر، إذ دافعت الصحيفة ومالكوها عن مضمون تغطيتهم، ولجأوا إلى طلب استشارة قانونية لحماية حقوقهم. في المقابل، ظهر نائب زعيم الحزب الوطني، ريتشارد تايس، على شاشات التلفزيون البريطانية ليعرض موقف الحزب، مؤكّدًا أن "جوهر الديمقراطية يكمن في حرية اختيار من تتحدث إليه".

ورغم أن هذا النزاع قد يبدو محليًا وبسيطًا للوهلة الأولى، إلا أنه يعكس ظاهرة أوسع وأكثر خطورة، تتمثل في التوسع التدريجي لقيود على الإعلام حتى في الدول الديمقراطية المتقدمة نتيجة عوامل متعددة تشمل انخفاض ثقة الجمهور في وسائل الإعلام، وازدياد تأثير وسائل التواصل الاجتماعي، وسعي بعض السياسيين لتقييد الصحفيين ومنعهم من طرح الأسئلة الصعبة والمحرجة.

القيود السياسية على الصحافة

أصبح نموذج السيطرة على وسائل الإعلام واضحًا في كل من المجر والولايات المتحدة، عبر سياسات قادها فيكتور أوربان ودونالد ترامب. في المجر، استغل أوربان سلطته لتعزيز سيطرته على الإعلام من خلال عمليات استحواذ حكومية وتوجيه الإعلانات الرسمية إلى وسائل معينة وقطع التمويل عن المؤسسات الإعلامية المستقلة، بالإضافة إلى إنشاء منصات تواصل خاصة تدعم أجندته.

في الولايات المتحدة اتبع ترامب مسارًا يشبهه مستهدفًا وسائل الإعلام التي انتقدته عبر دعاوى قضائية مكلفة، وفرض قيودًا على مراسلي البنتاغون، واستبدل الصحفيين التقليديين في قاعة الصحافة بشخصيات مؤثرة على وسائل التواصل الاجتماعي. كما وظف أدوات مالية وتنظيمية لإجبار شركات الإعلام على الالتزام بمواقفه، مستغلاً الأوضاع المالية الصعبة للشركات ورغبتها في إبرام صفقات تتطلب موافقة الحكومة، مما زاد من التهديد الموجه لحرية الصحافة بحسب ما أوردته بلومبيرغ.

وتصف كيم لين شيبيلي، أستاذة علم الاجتماع والشؤون الدولية بجامعة برينستون، هذه الاستراتيجية بأنها "تسليح الهشاشة"، إذ يتم التحكم في كل شيء عبر الميزانية والهجمات المالية، وهو أسلوب لا يقتصر على الإعلام فقط، بل يمتد إلى الجامعات والمكاتب القانونية في الولايات المتحدة.

ولا يقتصر تأثير هذه الإجراءات على الداخل الأميركي فحسب، بل يمتد إلى الساحة العالمية، إذ أن تشديد القيود على الإعلام في الولايات المتحدة يسهل على حكومات أخرى اتباع نفس النهج. وقد أعرب ترامب عن انتقاده لوسائل الإعلام في بلدان أخرى مثل مهاجمته لمراسل أسترالي أو تهديده BBC البريطانية بسبب تعديل خطاب له في وثائقي عن أحداث 6 كانون الثاني/يناير 2021.

التمويل الدولي وتداعياته على الإعلام

خفض التمويل المقدم من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية أثر بشكل مباشر على الصحف الاستقصائية الصغيرة، التي تعد أدوات مهمة لمراقبة الأنظمة الاستبدادية، ما قلل من فعاليتها وأرسل إشارات سلبية للحكومات المستبدة حول تراجع اهتمام الولايات المتحدة بحقوق الإعلام.

مثال حي على ذلك الصحفيون النيكاراغويون الذين اضطروا للنزوح بعد فقدان التمويل، بينما تستمر الانتهاكات العالمية بحق الصحفيين مع مقتل 248 صحفيًا في غزة عام 2025 واحتجاز أكثر من 500 آخرين في بلدان متعددة, وففا لبلومبيرغ.

كما القيود على الإعلام لم تعد حكراً على الدول الاستبدادية فقط، بل امتدت لتشمل دولًا كانت تُعتبر منارات لحرية الصحافة. وأظهر استطلاع Pew شمل 35 دولة أن 61% من البالغين يعتبرون حرية الصحافة أمرًا بالغ الأهمية، في حين يرى 28% فقط أن الإعلام يتمتع بحرية كاملة.

على المستوى المحلي في نوتنغهامشير، تصاعدت التوترات في ايلول/ سبتمبر، حيث أصبح النزاع بين صحيفة Nottingham Post والمجلس المحلي موضوع تغطية وطنية. تدخل زعيم حزب "ريفورم" نايجل فاراج، قبل أن تقوم إدارة الصحيفة بإرسال خطاب قانوني استند إلى اتفاقية حقوق الإنسان الأوروبية، ما دفع المجلس في النهاية إلى التراجع وإعادة فتح أبوابه أمام الصحيفة. هذا الانتصار، رغم كونه محدودًا، يعكس الصراع المستمر والدائم من أجل حماية حرية الصحافة حول العالم.

حرية الصحافة على المحك... ضغوط تهدد الإعلام حول العالم | Ektisadi.com | Ektisadi.com