بريطانيا تواجه اختباراً صعباً مع اقتراب إعلان موازنة جديدة وسط تباطؤ النمو وارتفاع البطالة

علم بريطانيا(الوكالة الوطنية للإعلام)
حذّر محللون اقتصاديون من أن بريطانيا لم تعد تتحمّل موازنة جديدة تقوم على الأمنيات السياسية بدلاً من الأسس الاقتصادية، وذلك قبيل إعلان وزيرة الخزانة البريطانية راشيل ريفز خطتها المالية اليوم، وسط مشهد اقتصادي متباطئ وضغوط سياسية متزايدة.
وحسب بلومبيرغ تأتي الموازنة المرتقبة بعد عام واحد فقط على خطة مالية وُصِفت حينها بالجريئة، أعلنت خلالها ريفز زيادات ضريبية بقيمة 40 مليار جنيه إسترليني نحو 53 مليار دولار، إضافة إلى إنفاق جديد يقدَّر بـ70 مليار جنيه حوالي 92 مليار دولار بهدف إصلاح أساسات الاقتصاد البريطاني. غير أن تلك الأساسات، وفق محللين، لم تُظهر أي تحسّن ملموس منذ ذلك الحين.
وتشير التوقعات إلى أن النمو الاقتصادي سيتباطأ مجددًا العام المقبل ليبلغ نحو 1.2%، فيما يبقى التضخم الأعلى بين دول مجموعة السبع، ويرتفع معدل البطالة تدريجيًا، خصوصًا بين فئة الشباب، ما يعمّق الضغوط على الحكومة قبل إعلان الموازنة.
وفقدت حكومة حزب العمال جزءًا كبيرًا من مصداقيتها لدى الأسواق والشركات والناخبين بسبب التراجعات السياسية المتكررة وغياب الوضوح في توجهاتها الاقتصادية. فبعد أن تعهّدت في حملتها الانتخابية بعدم رفع الضرائب على العاملين، اضطرت إلى اعتماد تعديلات ضريبية محدودة الأثر دفعت عددًا من أصحاب الدخل المرتفع إلى مغادرة البلاد. كما أدّت زيادة اشتراكات التأمين الوطني على أصحاب العمل العام الماضي إلى رفع كلفة التوظيف، ما أسهم في ارتفاع البطالة.
وتعرّضت الحكومة لانتقادات إضافية بعد تخليها عن خطتين لخفض الإنفاق: تقليص دعم التدفئة الشتوية للمتقاعدين، وتقليص مدفوعات الرعاية الاجتماعية. ورغم أن الخطوتين كانتا منطقيتين من حيث المبدأ، فإن تنفيذهما جاء ضعيفًا، ما دفع الحكومة إلى التراجع عنهما. ويقدّر معهد الدراسات المالية أن هذا التراجع سيضيف جزءًا كبيرًا من الديون المستقبلية وفق بلومبيرغ.
ويرى خبراء أن حالة التخبط هذه تغذي ما سمّته ريفز سابقًا دورة التوقف والانطلاق، أو ما بات يُعرف إعلاميًا بالمرض البريطاني الجديد. كما حذّر بنك إنكلترا من أن حالة عدم اليقين قبل صدور الموازنة ربما ساهمت في إبطاء النمو وتأخير الاستثمار.
ويقول اقتصاديون إن الحكومة تعقّد مهمتها عبر اعتمادها شبه الكامل على توقعات مكتب مسؤولية الموازنة، الذي يصدر مرتين سنويًا، لتحديد مساحة الإنفاق المتاحة. ورغم أن هذه التوقعات تُستخدم كمرجع رئيسي، فإن المكتب نفسه يؤكد أنها غير مؤكدة على المدى الطويل.
وكانت ريفز قد ألمحت في وقت سابق إلى احتمال رفع ضريبة الدخل لسد فجوة مالية واسعة، قبل أن تتراجع عن الفكرة بعد تحسن طفيف في أحدث توقعات مكتب مسؤولية الموازنة. ورأت الأسواق في هذا التراجع، إضافة إلى تسريبات عن مجموعة تعديلات ضريبية صغيرة، مؤشرات جديدة على غياب البوصلة الاقتصادية لدى الحكومة.
ويؤكد محللون أن استعادة الثقة تتطلب من الحكومة كسر نمط الترقيعات السياسية قصيرة المدى، مشيرين إلى أن إبقاء الحدود الضريبية مجمّدة أو اللجوء إلى إجراءات تحصيل غير مباشرة سيزيد من فقدان الثقة. ويعتبر هؤلاء أن الخيار الأنسب هو رفع ضرائب الدخل بشكل واسع لكن معتدل ومؤقت، وربط أي زيادات بإصلاحات هيكلية تشمل تبسيط نظام ضريبة القيمة المضافة، وتحديث ضريبة العقارات، وإزالة الحواجز التي تعيق الاستثمار والعمل. ورغم أن هذه الإصلاحات لن تؤدي إلى نمو فوري، فإنها ستبعث، بحسب الخبراء، رسالة واضحة حول الجدية والعدالة والاستقرار الاقتصادي.
