Contact Us
Ektisadi.com
مقالات

جارَ الزمانُ عليَّ بجارٍ لا يُجارُ - "كومة حجار ولا هالجار"

وليد حسين الخطيب الصورة الأصلية من الكاتب مع تصغير الحجم

وليد حسين الخطيب (إقتصادي.كوم)

يقول رجاء الأنصاري:
أطيِبْ بجارِكَ مثلَ المِسكِ صحبَتُهُ/ كي يستَطيبكَ مثلَ النَّدِّ جيرانُ
معتبرًا أنّ العلاقة بين الجيران يجب أن تكون تبادليّة. ولكن، في حالة جيراني، أستأذنه بالقول:
أقبِحْ بجارِكَ مثلَ الشؤمِ جيرتُهُ/ لا يستضيفُكَ شِبْهُ الدّبِّ إنسانُ

في كل مبنى حكاية، وفي كل طبقة مسلسل، وفي طبقتنا – حفظ الله القارئين – نعيش مواسم خاصّة من "الدراما العائلية" عنوانها: "الجار الذي يربّي بالحديد والنار، ويرى نفسه مالكَ الكون لأنّه… مُشترٍ لا مستأجر!"

وجاري العظيم – أعانه الله على نفسه وأعاننا عليه – لا مشكلة لديه إطلاقًا في تعريف الذوق؛ فهو يعتبره من الكماليّات، كالشوكولاته الفاخرة: "حلوة… بس مش ضرورية". أمّا الأخلاق، فهي عنده قطعة أثاث اختفت منذ عقود ولم يشعر أحد بغيابها!

تبدأ الحكاية من أحفاده الثلاثة الذين ورثوا عنه عبقرية الفوضى.
أبوهم طلّق امرأتين بعدما أنجب منهما أولاده الثلاثة، ثم تزوّج الثالثة، وسافر ليكتب فصولًا جديدة من "الحكمة" بعيدًا من أولاده… تاركًا إيّاهم في عهدة الجدّ الذي يرى أنّ التربية لا تستقيم إلّا بالصراخ، والألفاظ الطائرة، والضرب المُبرح.

أمّا الصغار، فأكبرهم فتاة لا تتجاوز العاشرة، لكنّها تمتلك خبرةً في الفوضى تليق بقوارض مزعجة، ويرافقها شقيقان يمثّلان "مدرسة الشارع المفتوحة"، ويبدو أنّهما متفوّقان فيها إلى درجة تُبقي المبنى كلّه في حالة تأهّب.

الأولاد – حفظ الله الجميع – لا يعرفون الحياء من قلّته، ولا التهذيب من التهويش؛ فالردّ على الحارس عندهم رياضةٌ يوميّة، ولهم مع السكّان مغامرات لا تنتهي، ومع السيّارات حكايات وتجارب لا تُحصى. وإذا حاول أحدنا الكلام معهم، اكتشف فجأة أنّه يتحدّث لغة غير لغتهم، وأنّ التواصل معهم أشبه بمحاولة إقناع قطةٍ بكتابة قصيدة عمودية.

وحين يعود الجدّ من عمله، يتحوّل المبنى كلّه إلى "محكمة عسكرية"؛ يسأل، ويصرخ، ويعاقب… وهو يؤكّد لنا أنّ أحفاده ملائكة لا يخطئون، وأنّنا جميعًا لا نفهم قدسيّة التربية الحقيقية. والأطرف أنّه، كلما أخبره أحدٌ بكارثة ارتكبها الأحفاد، نظر إليه شزرًا كأنّه يتّهم الأنبياء!

ولكي تكتمل فصول المشهد، يُتحفنا عمّ الأولاد بإبداعاته؛ فهو في المنزل أشبه بنبتة ظلّ، لا وظيفة له إلّا التدخين، وتفقّد الهاتف، وتشغيل المسجّل بأناشيد يسمعها سكّان الحيّ الثاني، وربما القادمون من كوكبٍ مجاور.

والله يا جماعة، بين قسوة الجدّ، واستهتاره، وإنكاره، وفوضى الأحفاد، وطَرَب العم… أصبح مبنانا "مختبر الأجيال الضائعة"!

لقد فكّرنا – مرارًا – بالاتصال بالشرطة، ثم تراجعنا احترامًا للجيرة… ثم عدنا نفكّر، ثم عزفنا… لكن يبدو أنّ مع هؤلاء: "الذوق لا ينفع… والحيلة لا تفيد… والدبلوماسية تموت واقفة".

وبين التعاطف مع الأولاد والضيق من أذاهم، نعيش يوميًّا في منطقة رماديّة، نتأمّل من بعيد ونردّد:
"اللهم أصلحهم واهدِهم… أو في الأقل ارزقهم هوايةً أقلّ أذًى، وارحمنا!".