ليس كل من فرك عالج!

وليد حسين الخطيب (إقتصادي.كوم)
اعتدت أن أتحدّث مع ولدَيّ في أمور دراستهما وشؤونها، وأثناء حديث لنا طلب منّي ابني الأصغر الذي على وشك التخرّج هذا العام في الجامعة بعد دراسة العلاج الفيزيائي، أن أكتب مقالة أوضّح فيها أنّ العلاج الفيزيائي والتدليك لا علاقة لأحدهما بالآخر... وأنّ الأول يُدرَس في كلية الطب والثاني قد يدرَس في معهد لكنّه لا يُصنّف ضمن الطب. فكانت هذه المقالة.
في زمنٍ صار الإنسان – خصوصًا اللبناني الذي يتفوّق في إبداعاته وتحليلاته ونظرته وفلسفته، وهذا ما رأيناه في جائحة "كورونا" - خبيرًا لأنه شاهد مقطعًا في "السوشيال ميديا"، وصار التشخيص الطبي يُقاس بعدد المتابعين لا بعدد سنوات الدراسة… أصبح من الضروري جدًّا أن نذكّر الناس بأن العلاج الفيزيائي ليس تدليكًا، وأن المختص بالعلاج الفيزيائي ليس "معالجًا بالمسّاج" يرتدي ثوب العلم لإرضاء الأكتاف المتعبة.
العلاج الفيزيائي أيّها المتفيقهون، هو علمٌ قائم بذاته، له دراسته الطويلة، وتشريحه، وفيسيولوجيته، وبحوثه، ومناهجه، وتقنياته، وأجهزته… لا يُمارَس بالزيوت العطرية ولا بـ "فرك الكتاف" ولا بـ "مدّ رجلي شوي"، بل يقوم على تقويم دقيق للحالات، تحليل للعضلات والمفاصل، فهمٍ للإصابات، ووضع برنامج علاجي يقوم على التمارين العلاجية، إعادة التأهيل، تقوية العضلات، واستعادة الحركة… لا على "فرك الوثّاب" كما هو متعارَف...
لكنّ ثمّة من لا يزال مصرًّا على اختصار أربع سنوات من العلم والاختصاص، بجملة واحدة يقولها بثقة مدهشة:
"آه ابنك دارس علاج فيزيائي؟ يعني مسّاج… حلو، بركي بيعمل لي شوية تدليك!"
يا لروعة الجهل حين يختلط بالثقة الزائدة والوقاحة!
العلاج الفيزيائي هو الذي يعيد المشي لمن فقده، يعيد الحركة للمشلولين جزئيًّا، يساعد مرضى العمود الفقري، يعالج إصابات الرياضيين، يُرمّم العضلات بعد العمليات، يخفف الألم علميًّا، ويدرّب الأجساد على استعادة قدراتها.
أما التدليك فهو إجراء استرخائي ممتاز، مفيد، جميل، محترم… لكنه ليس علاجًا، ولا يُغني عن تقويم طبي، ولا بديلًا للتشخيص، ولا يُعيد رُكبة ولا يُعدّل انزلاقًا ولا يُصلح تمزّقًا.
ولأن مشكلتنا الأساسية أننا "نحب أن نُفتي"، فستجد من يناقشك في موضوع لم يقرأ عنه صفحة، ويجادلك في علم لم يسمع باسمه إلا في إعلان في "تيك توك"… ثم يختتم كلامه بحكمة تُعجز الطب والأطبّاء:
"والله يا أخي كلّو مسّاج!"
لذلك، و"من هنا… وهناك"، نقولها بمحبة ممزوجة بالسخرية "ليس كل من فرك عالج"… وليس كل من رأى فيديو، أصبح طبيبًا.
دعوا أهل الاختصاص يعملوا، فالعلم لا يُختصر في يد تدلّك، بل في عقل يفهم، ويحلّل، ويعيد بناء الجسد كما كان.
وإلى الذين يخلطون العلاج بالتدليك… رفقًا بنا، يكفينا ما نحن فيه!
ملاحظة: المقالات التي ينشرها "إقتصادي.كوم" هي دوماً على مسؤولية كتّابها، ولا تعكس بالضرورة رأي الموقع.
